القدس عندما يجعلونها جسراً للتطبيع
ينعقد لواء عام 2009 على هامة القدس ، وهذه المرة وهي تحمل عنوان عاصمة الثقافة العربية ، ونحن إذ نكرر التنويه بذلك إنما نسعى لتحفيز جاهزيتنا وجاهزية كل مبادر ومبدع للقيام بدوره لأداء رسالته الملتزمة تجاه القدس.
ومن هنا فإن تحديد معالم الرسالة ضرورية لئلا نغرق في احتفالية سياسية تنأى بنا عن المضامين التي يجب إبرازها وتقديمها بوضوح وبلاغة أن هذه القدس عربية بامتدادها الإسلامي والمسيحي أيضاً وأن هذه المدينة محتلة بشطريها الشرقي والغربي، ولا مكان فيها لغاصب يهودي يطمس هويتها أو يزور تاريخها لتبدو له بلبوس يهودي رغم أنف حجارتها ونقوشها وجبالها وغبارها وترابها القديم.
ولا مجال هنا للقبول بالتطبيع على حساب القدس، والادعاء بأن القدس أسيرة ولا تثريب على من يزور أسيراً في سجنه، إذ إن هذا القياس فاسد، فالقدس ليست أسيرة وإن كانت توصف بذلك بل هي محتلة ومغتصبة، ومن يصل إليها في هذه الحالة إما أن يكون مجاهداً اخترق الحصون ليؤدي واجب الجهاد فيها، وإما أن يكون مطبّعاً يهنأ برضا الاحتلال واطمئنانه بأنه لن يمس شعرة من المحتل ، بل يرى فيها المحتل الصهيوني استثماراً سياسياً رائعاً يمهد لمد جسور التطبيع إلى العقل والقلب والقرار .
ومن هنا فلابد أن يقف كل عربي حر أمام الدعوة التي يروج لها بعض المسؤولين في لجنة القدس عاصمة الثقافة العربية في رام الله بأن زيارة القدس ليست تطبيعاً، ثم الدعوة الرسمية التي وجهتها وزارة الثقافة الفلسطينية لوزراء الثقافة العرب لزيارة القدس، علما أن وزارتنا الفلسطينية تعلم يقيناً أنه ليس بوسعهم إعطاء تأشيرة لأي وزير أو مواطن لزيارة القدس، بل إن هذا الأمر محتاج للختم الصهيوني والموافقة الصهيونية، وقد كنت أظن أن هذا الأمر مجرد تأكيد شكلي على عروبة القدس وفلسطينيتها، فإذا الأمرُ جدّيّ !!، وأن هذه الدعوة قد وصلت بالفعل !! وأن ثمة وزراء أبدوا رغبتهم بالحضور إلى العاصمة الفلسطينية المحتلة، ولكن ضمن بروتوكول صهيوني خاص وتنسيق رسمي فلسطيني مع المحتل.
إننا نشعر بالغضب من هذا الاستهتار بمشاعر الأمة، ونطالب كل من كان متورطاً في مثل هذه الخطيئة أن يكف عن تحضير القدس لتكون جسراً وردياً للتطبيع ؛ وأن يتفرغ لغير هذا فالقدس ليست مجالاً للمزايدات أو المساومات لاسيما أننا نتحدث اليوم عن شأن ثقافي، وكان الأولى بنا جميعا أن تكون هذه الاحتفالية فرصة للالتفاف حول القدس، والاحتماء بعروبتها وقدسيتها، والاغتناء بقدرتها على تحريض النفوس لبذل كل ما يمكن لتحريرها واستعادة مكانتها، على أن السياسة التطبيعية هذه ليست بذات أهمية سياسية حتى للمفاوضين، وأنها لا تعدو أن تكون استرضاءات سياسية مبتذلة لبعض الجهات اليهودية المحتلة التي لا تفيد إلا في استغلال مثل هذه التصريحات والدعوات التطبيعية لصالح سياسة الاحتلال، وتمرير بعض التسهيلات ذات الضريبة العالية .